فصل: فضائل العلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كتاب العلم **


 الفصل الثاني

 فضائل العلم

لقد مدح الله - سبحانه وتعالى العلم وأهله، وحثَ عباده على العلم والتزود منه وكذلك السنة المطهرة‏.‏

فالعلم من أفضل الأعمال الصالحة، وهو من أفضل وأجلَ العبادات، عبادات التطوع، لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن دين الله - عز وجل - إنما قام بأمرين‏:‏

أحدهما‏:‏ العلم والبرهان‏.‏

والثاني‏:‏ القتال والسنان، فلا بد من هذين الأمرين، ولا يمكن أن يقوم دين الله ويظهر إلا بهما جميعًا، والأول منهما مقدم على الثاني، ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يغير على قوم حتى تبلغهم الدعوة إلى الله - عز وجل - فيكون العلم قد سبق القتال‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ‏}‏ ‏[‏الزمر، الآية‏:‏9‏]‏ فالاستفهام هنا لابد فيه من مقابل أمن هو قائم قانت آناء الليل والنهار أي كمن ليس كذلك، والطرف الثاني المفضل عليه محذوف للعلم به، فهل يستوي من هو قانت آناء الليل ساجدًا أو قائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، هل يستوي هو من هو مستكبر عن طاعة الله‏؟‏

الجواب‏:‏ لا يستوي فهذا الذي هو قانت يرجو ثواب الله ويحذر الآخرة هل فعلُهُ ذلك عن علم أو عن جهل‏؟‏ الجواب‏:‏ عن علم، ولذلك قال‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ‏}‏ ‏[‏الزمر الآية‏:‏ 9‏]‏ ‏.‏ لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، العلم نور يهتدي به الإنسان، ويخرج به من الظلمات إلى النور، العلم يرفع الله به من يشاء من خلقه ‏{‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ الآية11‏]‏‏.‏ ولهذا نجد أن أهل العلم محل الثناء، كلما ذُكروا أثنى عليهم، وهذا رفع لهم في الدنيا، أما في الآخرة فإنهم يرتفعون درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله والعمل بما عملوا‏.‏

إن العابد حقًا هو الذي يعبد ربه على بصيرة ويتبين له الحق، وهذه سبيل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏{‏قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف الآية‏:‏ 108‏]‏‏.‏

فالإنسان الذي يتطهر وهو يعلم أنه على طريق شرعي، هل هو كالذي يتطهر من أجل أنه رأى أباه أو أمه يتطهرا‏؟‏ ‏.‏

أيهما أبلغ في تحقيق العبادة‏؟‏ رجل يتطهر لأنه علم أن الله أمر بالطهارة وأنها هي طهارة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيتطهر امتثالًا لأمر الله واتباعًا لسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏؟‏ أم رجل آخر يتطهر لأن هذا هو المعتاد عنده‏؟‏‏.‏

فالجواب‏:‏ بلا شك أن الأول هو الذي يعبد الله على بصيرة‏.‏ فهل يستوي هذا وذاك‏؟‏ وإن كان فعل كل منهما واحدًا، لكن هذا عن علم وبصيرة يرجو الله ـ عز وجل ـ ويحذر الآخرة ويشعر بأنه متبع للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقف عند هذه النقطة وأسأل هل نستشعر عند الوضوء بأننا نمتثل لأمر الله - سبحانه وتعالى- في قوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ الآية6‏]‏‏.‏

هل الإنسان عند وضوئه يستحضر هذه الآية وأنه يتوضأ امتثالًا لأمر الله‏؟‏ ‏.‏

هل يستشعر أن هذا وضوء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه يتوضأ اتباعًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏؟‏

الجواب‏:‏ نعم، الحقيقة أن منا من يستحضر ذلك، ولهذا بذلك الإخلاص وأن نكون متبعين لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏ نحن نعلم أن من شروط الوضوء النية، لكن النية قد يراد بها نية العمل وهذا نتنبه لهذا الأمر العظيم، وهي أن نستحضر ونحن نقوم بالعبادة أن نمتثل أمر الله بها لتحقيق الإخلاص، وأن نستحضر أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعلها ونحن له متبعون فيها لتحقيق المتابعة؛ لأن من شروط صحة العمل‏:‏

الإخلاص‏.‏

والمتابعة‏.‏

اللذين بها تتحقق شهادة أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله‏.‏

نعود إلى ما ذكرنا أولًا من فضائل العلم، إذ بالعلم يعبد الإنسان ربه على بصيرة، فيتعلق قلبه بالعبادة ويتنور قلبه بها، ويكون فاعلًا لها على أنها عبادة لا على أنها عادة، ولهذا إذا صلي الإنسان على هذا النحو فإنه مضمون له ما أخبر الله به من أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر‏.‏

ومن أهم فضائل العلم ما يلي‏:‏

1- أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا العلم، فمنْ أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترث محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا من أكثر الفضائل‏.‏

2- أنه يبقى والمالي يفني، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمي عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا‏؟‏ نعم يجري كثيرا فيكون لأبي هريرة أجر من انتفع بأحاديثه، إذ العلم يبقى والمال يفنى، فعليك يا طالب العلم أن تستمسك بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية أو عمل ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له‏)‏ ‏[‏أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب‏:‏ ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته‏]‏‏.‏

3- أنه لا يتعقب صاحبه في الحراسة؛ لأنه إذا رزقك الله علمًا فمحله في القلب لا يحتاج إلى صناديق أو مفاتيح أو غيرها، هو في القلب محروس، وفي النفس محروس، وفي الوقت نفسه هو حارس لك؛ لأنه يحميك من الخطر بإذن الله - عز وجل - فالعلم يحرسك، ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الأغلاف، ومع ذلك تكون غير مطمئن عليه‏.‏

4- أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق، والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ الآية 18‏]‏‏.‏ فهل قال‏:‏ ‏(‏أولو المال‏)‏‏؟‏ لا، بل قال‏:‏ ‏{‏وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ الآية 18‏]‏‏.‏ فيكفيك فخرًا يا طالب العلم أن تكون ممن شهد الله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله - عز وجل -

5- أن أهل العلم هو أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية59‏]‏‏.‏ فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام، والعلماء وطلبة العلم؛ فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها‏.‏

6- أن أهل العلم هو القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة، ويستدل لذلك بحديث معاوية - رضى الله عنه - يقول‏:‏ سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقوم‏:‏ ‏(‏من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله‏)‏ ‏[‏البخاري، كتاب العلم، باب‏:‏ من يرد الله به خيرًا ومسلم، كتاب الزكاة، باب‏:‏ النهي عن المسألة‏]‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏

وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطائفة‏:‏ ‏(‏إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم‏)‏‏.‏

وقال القاضي عياض - رحمه الله -‏:‏ ‏(‏أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب الحديث‏)‏‏.‏

7- أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرغب أحدًا أن يغبط أحدًا على شيْء من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما‏:‏

1- طلب العلم والعمل به‏.‏

2- التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام‏.‏ فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل أتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعُلّمُها‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، ومسلم، كتاب الصلاة، باب‏:‏ فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه‏]‏‏.‏

8- ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكان منها طائفة طيبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقُُه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب‏:‏ فضل من علم وعمل، ومسلم، كتاب الفضائل، باب‏:‏ مثل مابعث به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الهدى والعلم‏]‏‏.‏

9- أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة‏)‏‏.‏ ‏[‏أخرجه مسلم، كتاب الدعوات، باب‏:‏ فضل الاجتماع على تلاوة القرآن‏.‏‏]‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏

10- ما جاء في حديث معاوية - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من يرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين‏)‏ ‏[‏تقدم تخريجه ص 13‏.‏‏]‏ ‏.‏ أي يجعله فقيهًا في دين الله - عز وجل - والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكن المقصود به هو‏:‏ علم التوحيد، وأصول الدين، وما يتعلق بشريعة الله - عز وجل -‏.‏ ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملًا في الحثً على طلب علم الشريعة والفقه فيها‏.‏

11- أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة‏.‏

12- أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفى على كثير منّا قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعًا وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عابد فسأله هل له من توبة‏؟‏ فكان العابد استعظم الأمر فقال‏:‏ لا‏.‏ فقتله فأتم به المئة، ثم ذهب إلى عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دله على بلد أهله صالحون ليخرج إليها، فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق‏.‏ والقصة مشهورة (1) ‏.‏ فانظر الفرق بين العالم والجاهل‏.‏

13- أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله - عز وجل - والعمل بما علمـوا، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عبـاده بحسب ما قاموا به‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ الآية11‏]‏‏.‏